عمليات الاغتيال في الشرق الأوسط- حدود الردود وتوازنات القوى

المؤلف: صهيب جوهر11.23.2025
عمليات الاغتيال في الشرق الأوسط- حدود الردود وتوازنات القوى

منذ اللحظة التي اغتيل فيها عزالدين خليل في دمشق عام 2004، وتلاه عماد مغنية في بيروت عام 2008، يمكن القول بأن إسرائيل قد انخرطت في مسار جديد ومختلف من الاغتيالات الأمنية. هذه الاغتيالات استهدفت قيادات بارزة في حزب الله وحركة حماس، ومع مرور الوقت، ازدادت وتيرة هذه العمليات الإسرائيلية بشكل ملحوظ، يصعب حصرها بالكامل، لتصل إلى اغتيال قادة إيرانيين مرموقين، كانوا يتولون مسؤولية الملف النووي، بالإضافة إلى اغتيال قاسم سليماني ورضي موسوي.

كل هذه العمليات الدقيقة والموجهة، والتي استهدفت مسؤولين أمنيين وعسكريين ذوي مكانة رفيعة في محور المقاومة، لم تشهد ردودًا مماثلة أو مكافئة لحجم تلك العمليات من جانب إيران أو حزب الله. كانت هناك ردود فعل عسكرية وأمنية، لكنها لم تحقق الهدف المرجو المتمثل في تصفية مسؤولين إسرائيليين بنفس المستوى.

إن الصمود الأسطوري الذي أظهرته الفصائل الفلسطينية، على مدار ثلاثة أشهر في مواجهة أعتى الأسلحة وأكثرها فتكًا، تجاوز كل التقديرات والتوقعات، وفاق حتى أدق المعلومات الاستخباراتية.

رد حتمي

هناك تفسيرات جوهرية لهذا الأمر؛ أولها، ما يزعمه معارضو حزب الله بأن هذا الضعف في الردود المتوازنة يعكس محدودية القدرات وعدم كفايتها لمستوى التحدي. وثانيها، ما يصرح به حزب الله نفسه من أن أي مسؤول من هؤلاء هو في الأساس مشروع شهيد، وأن الثمن قد دُفع مسبقًا. والأهم من ذلك، هو التأكيد على أن أي عملية اغتيال لن تؤثر على مسيرة العمليات التي تقوم بها المقاومة، سواء على صعيد تطوير القدرات أو استكمال المشروع.

هذا المبدأ ينسحب أيضًا على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشيخ صالح العاروري، في بيروت، بعد تهديدات إسرائيلية علنية. وقد جاءت عملية الاغتيال بطابع رمزي بالغ الأهمية، من خلال استهدافه في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، الأمر الذي اعتبر تحديًا مباشرًا لحزب الله، وتحديدًا نصر الله. ومن المؤكد أن الحزب سيرد على هذا العمل، ولكن في إطار الحدود المرسومة والمتوقعة، وبما يحافظ على توازن الردع، ويصون الحد الأدنى من الاستقرار الداخلي في لبنان، تجنبًا لتدهور الأوضاع نحو حرب شاملة ذات عواقب مجهولة.

في هذا السياق، يجب على الحزب أن يتحلى بما يصفه بـ "الصبر الاستراتيجي". فمع وقوع الاغتيال، تدفقت الاتصالات الدولية على كل من اللبنانيين والإسرائيليين، بهدف تخفيف وطأة الحدث، والحيلولة دون تطور الأمور نحو الانفجار.

جيش مفكك

إن عملية اغتيال العاروري تزامنت مع إعلان إدارة جو بايدن عن سحب حاملة الطائرات الأمريكية الأكثر تطورًا في العالم، "جيرالد فورد"، من مياه البحر الأبيض المتوسط، وإعادتها إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى إعلان إسرائيل عن سحب خمسة ألوية قتالية من قطاع غزة. وهذا الأمر يوحي بمسار معاكس للحرب الدامية التي تخوضها إسرائيل في غزة. على الرغم من استمرار المعارك العنيفة، والتطورات المتسارعة التي تشهدها الساحات المختلفة، سواء في لبنان أو في البحر الأحمر أو في سوريا، وحتى في إيران.

لكن بالتمعن قليلًا، يمكن ملاحظة الرابط الذي يجمع بين هذه التطورات المتنوعة. فبحسب التقديرات الإسرائيلية والأمريكية على حد سواء، يبدو أن الهدف الذي يلتقي عنده الطرفان، واشنطن وتل أبيب، قد بات وشيكًا، وهو إقناع إسرائيل بتراجع القدرات العسكرية لحركة حماس، بعد محاصرتها في جنوب قطاع غزة.

على أي حال، فإن القتال البطولي الذي أبدته المجموعات الفلسطينية، طوال ثلاثة أشهر في مواجهة أعتى الأسلحة وأكثرها تدميرًا، قد فاق جميع التقديرات والتوقعات، وتجاوز المعلومات الاستخبارية. وفي المقابل، ظهر الجيش الإسرائيلي بصورة مهزوزة ومفككة في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، وكادت إسرائيل أن تنهار بشكل كامل، لولا التدخل الأمريكي السريع، والدعم اللامحدود من دول الغرب.

جنون إسرائيلي

وعلى الرغم من ذلك، فقد ترسخ في ذلك اليوم خسارة إسرائيل للدور الذي كانت تطمح إليه، والوظيفة التي سعت لتوليها كضامن أمني ومحوري في منطقة الشرق الأوسط. وقد استندت في ذلك على قوتها، بهدف تسويق مشروع قيادتها وتطبيع علاقاتها مع دول المنطقة، وعلى وجه الخصوص الدول العربية.

ومهما فعلت إسرائيل، فإنها قد فقدت هذا الدور الذي طالما سعت إليه، إلا إذا حصلت على الضمانة الأمريكية. وهنا يكمن الفهم العميق للدور الوظيفي لهذا الكيان. فالتقاطع الأمريكي الإسرائيلي حول إبعاد النفوذ الإيراني عن الساحة الفلسطينية، من خلال تفكيك البنية العسكرية لحركة حماس، لا يعني بالضرورة وجود اتفاق حول ما يُعرف بـ "اليوم التالي" للحرب، هذا إذا افترضنا أصلًا إمكانية تفكيك حماس، نظرًا لصعوبة هذا الأمر.

وإذا كان التزامن في الإعلان عن سحب حاملة الطائرات الأمريكية والألوية الإسرائيلية الخمسة يوحي بتقلص مستوى الخطر على إسرائيل، إلا أن المشهد يبدو مختلفًا على مستوى المنطقة.

في الأساس، كان الهدف من قرار إرسال حاملة الطائرات الأمريكية الأكثر تطورًا هو احتواء "الاندفاع المتهور" الإسرائيلي في المقام الأول، بعد اندلاع حرب غزة. وبدا انتشار المدمرة ضمن نطاق محدد على مستوى الشرق الأوسط، بدءًا من تركيا شمالًا، مرورًا بسوريا ولبنان والأردن، وصولًا إلى منطقة الخليج العربي ومصر. وبالتالي، فإن رحيلها يعني منطقيًا انخفاض مستوى التصعيد واحتمالية الحرب، ولكنه لا يعني وقف الصراع، بل استمراره، ولكن ضمن سقف محدد بوضوح وحسم.

نقاط ضعف

بناءً على ذلك، فإن تراجع حدة و شراسة الحرب في القطاع المحاصر لا يعني انتهاء الصراع في الشرق الأوسط، بل على العكس، ولكنه سيستمر وفقًا لسقف معين لن يتم تجاوزه، أو بعبارة أخرى: "سخونة من دون اشتعال".

فالمنطقة تشهد إعادة ترتيب للأوراق، ويكفي التذكير هنا بمشروع ربط الهند بدول الخليج، ومن ثم إسرائيل وأوروبا. وقد ترى واشنطن أنها الطرف الدولي الوحيد الذي ازداد نفوذه في منطقة الشرق الأوسط بعد حرب غزة. وهذا يشكل تحولًا هامًا في الإقليم المضطرب.

وفي ضوء هذا التحول، يمكن فهم المواجهات البحرية الدائرة في البحر الأحمر بين جماعة الحوثي وواشنطن وحلفائها. فطهران، التي كانت ترى ميزة في المراهنة على عامل الوقت في تعاملها مع أزمات المنطقة، قد تجد عكس ذلك في استهلاك الوقت في معركة غزة.

إن سعي إيران، من خلال الحوثيين، لبسط نفوذها على الممرات البحرية التي تمر عبرها أكثر من 12% من حركة الملاحة والتجارة الدولية، قد قوبل في البداية برد فعل خجول من المجتمع الدولي، قبل أن يتطور الموقف إلى تشكيل تحالف دولي، والقيام برد أدى إلى إغراق أربعة زوارق بمن فيها. ومن الطبيعي أن تسعى إيران إلى تحقيق أقصى قدر ممكن من المكاسب، بدءًا من فرض سيطرتها على البحر الأحمر، إلا أن الرد الأمريكي كان قاطعًا وحاسمًا.

ويبدو أن إدارة بايدن تدرك وجود نقاط ضعف متعددة داخل النظام الإيراني، بدءًا من الوضع الاقتصادي الصعب، وصولًا إلى تذمر الشباب من غياب رؤية واضحة لتغيير المسار التاريخي للنظام الحاكم، وهو ما تجلى خلال الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد في العام الماضي.

لذا، ترسخ لدى الأمريكيين اعتقاد بأن اغتيال الشيخ صالح العاروري يمثل بداية مرحلة جديدة من الاغتيالات، لكن الحسابات لا تتوقف عند هذا الحد، بل تبرز أسئلة ملحة تتعلق باليوم التالي لوقف الحرب في غزة، من بينها، على سبيل المثال، وضع المخيمات الفلسطينية في لبنان، وطبيعة النفوذ الفصائلي.

والأهم من ذلك هو مستقبل الساحة السنية في لبنان، التي تعاني أساسًا من فراغ على مستوى القيادة، وكيف ستتفاعل في المستقبل مع هذه المؤثرات، خاصة أن شعبية حماس قد تضاعفت بشكل كبير بعد عملية "طوفان الأقصى". وبالتالي، فإن هذه الملفات، بالإضافة إلى الملفات الأخرى المعروفة، لا بد أن تكون مطروحة على طاولة البحث خلال مناقشة مستقبل الأزمة اللبنانية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة